فصل: تفسير الآية رقم (15):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (15):

{لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15)}
{لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ} لم ذكر عز وجل حال الشاكرين لنعمه المنيبين إليه تعالى ذكر حال الكافرين بالنعمة المعرضين عنه جل شأنه موعظة لقريش وتحذيرًا لمن كفر بالنعم وأعرض عن المنعم، وسبأ في الأصل اسم رجل وهو سبا بن يشجب بالشين المعجمة والجيم كينصر بن يعرب بن قحطان، وفي بعض الأخبار عن قروة بن مسيك قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أخبرني عن سبا أرجل هو أم امرأة؟ فقال: هو رجل من العرب ولد عشرة تيامن منهم ستة وتشاءم منهم أربعة فأما الذين تيامنوا فالأزد. وكندة. ومذحج والأشعريون وأنمار ومنهم بجيلة وأما الذين تشاءموا فعاملة وغسان ولخم وجذام، وفي شرح قصيدة عبد المجيد بن عبدون لعبد الملك بن عبد الله بن بدرون الحضرمي البستي أن سبا بن يشجب أول ملوك اليمن في قول واسمه عبد شمس وإنما سمي سبا لأنه أول من سبى السبي من ولد قحطان وكان ملكه أربعمائة وأربعًا وثمانين سنة ثم سمي به الحي، ومنع الصرف عنه ابن كثير. وأبو عمرو وباعتبار جعله اسمًا للقبيلة ففيه العلمية والتأنيث، وقرأ قنبل بإسكان الهمزة على نية الوقف، وعن ابن كثير قلب همزته ألفًا ولعله سكنها أولًا بنية الوقف كقنبل ثم قلبها ألفًا والهمزة إذا سكنت يطرد قلبها من جنس حركة ما قبلها، وقيل: لعله أخرجها بين بين فلم يؤده الراوي كما وجب، والمراد بسبا هنا إما الحي أو القبيلة وإما الرجل الذي سمعت وعليه فالكلام على تقدير مضاف أي لقد كان في أولاد سبا، وجوز أن يراد به البلد وقد شاع إطلاقه عليه وحينئذ فالضمير في قوله تعالى: {فِى مَسْكَنِهِمْ} لأهلها أولها مرادًا بها الحي على سبيل الاستخدام والأمر فيه على ما تقدم ظاهر، والمسكن اسم مكان أي في محل سكناهم وهو كالدار يطلق على المأوى للجميع وإن كان قطرًا واسعًا كما تسمى الدنيا دارًا، وقال أبو حيان: ينبغي أن يحمل على المصدر أي في سكناهم لأن كل أحد له مسكن وقد أفرد في هذه القراءة وجعل المفرد عنى الجمع كما في قوله:
كلوا في بعض بطنكم تعفوا

وقوله:
قد عض أعناقهم جلد الجواميس

يختص بالضرورة عند سيبويه انتهى.
وا ذكرنا لا تبقى حاجة إليه كما لا يخفى، واسم ذلك المكان مأرب كمنزل وهي من بلاد اليمن بينها وبين صنعاء مسيرة ثلاث، وقرأ الكسائي. والأعمش وعلقمة {مَسْكَنِهِمْ} بكسر الكاف على خلاف القياس كمسجد ومطلع لأن ما ضمت عين مضارعة أو فتحت قياس المفعل منه زمانًا ومكانًا ومصدرًا الفتح لا غير، وقال أبو الحسن كسر الكاف لغة فاشية وهي لغة الناس اليوم والفتح لغة الحجاز وهي اليوم قليلة، وقال الفراء: هي لغة يمانية فصيحة.
وقرأ الجمهور {مساكنهم} جمعًا أي في مواضع سكناهم {ءايَةً} أي علامة دالة لاحظة أخواتها السابقة واللاحقة على وجود الصانع المختار وأنه سبحانه قادر على ما يشاء من الأمور العجيبة مجاز للمحسن والمسيء وهي اسم كان وقوله تعالى: {جَنَّتَانِ} بدل منها على ما أشار إليه الفراء وصرح به مكي وغيره، وقال الزجاج: خبر مبتدأ محذوف أي هي جنتان ولا يشترط في البدل المطابقة أفرادًا وغيره وكذا الخبر إذا كان غير مشتق ولم يمنع المعنى من اتحاده مع المبتدا؛ ولعل وجه توحيد الآية هنا مثله في قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا ابن مَرْيَمَ وَأُمَّهُ ءايَةً} [المؤمنون: 50] ولا حاجة إلى اعتبار مضاف مفرد محذوف هو البدل أو الخبر في الحقيقة أي قصة جنتين، وذهب ابن عطية بعد أن ضعف وجه البدلية ولم يذكر الجهة إلى أن {جَنَّتَانِ} مبتدأ خبره قوله تعالى: {عِينٌ يَمِينٍ وَشِمَالٍ} ولا يظهر لأنه نكرة لا مسوغ للابتداء بها إلا أن اعتقد أن ثم صفة محذوفة أي جنتان لهم أو جنتان عظيمتان وعلى تقدير ذلك يبقى الكلام متفلتًا عما قبله. وقرأ ابن أبي عبلة {جَنَّتَيْنِ} بالنصب على المدح، وقال أبو حيان: على أن آية اسم كان و{جَنَّتَيْنِ} الخبر وأيًا ما كان فالمراد بالجنتين على ما روى عن قتادة جماعتان من البساتين جماعة عن يمين بلدهم وجماعة عن شماله وإطلاق الجنة على كل جماعة لأنها بالتقارب أفرادها وتضامنها كأنها جنة واحدة كما تكون بلاد الريف العامرة وبساتينها، وقيل: أريد بستانًا كل رجل منهم عن يمين مسكنه وشماله كما قال سبحانه: {جَعَلْنَا لاِحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أعناب} [الكهف: 32] قيل: ولم تجمع لئلا يلزم أن لكل مسكن رجل جنة واحدة لمقابلة الجمع بالجمع، ورد بأن قوله تعالى: {عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ} يدفع ذلك لأنه بالنظر إلى كل مسكن إلا أنها لو جمعت أو هم أن لكل مسكن جنات عن يمين وجنات عن شمال وهذا لا محذور فيه إلا أن يدعي أنه مخالف للواقع ثم أنه قيل إن في فيما سبق عنى عند فإن المساكن محفوفة بالجنتين لا ظرف لهما، وقيل: لا حاجة إلى هذا فإن القريب من الشيء قد يجعل فيه مبالغة في شدة القرب ولكل جهة لكن أنت تعلم أنه إذا أريد بالمساكن أو المسكن ما يصلح أن يكون ظرفًا لبلدهم المحفوفة بالجنتين أو لمحمل كل منهم المحفوفة بهما لم يحتج إلى التأويل أصلًا فلا تغفل {كُلُواْ مِن رّزْقِ رَبّكُمْ واشكروا لَهُ} جملة مستأنفة بتقدير قول أي قال لهم نبيهم كلوا إلخ، وفي مجمع البيان قيل: إن مساكنهم كانت ثلاثة عشر قرية في كل قرية نبي يدعوهم إلى الله عز وجل يقول كلوا من رزق ربكم إلخ، وقيل: ليس هناك قول حقيقة وإنما هو قول بلسان الحال {بَلْدَةٌ طَيّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} أي هذه البلدة التي فيها رزقكم بلدة طيبة وربكم الذي رزقكم وطلب شكركم رب غفور فرطات من يشكره، والجملة استئناف للتصريح وجب الشكر، ومعنى طيبة زكية مستلذة.
يروى أنها كانت لطيفة الهواء حسنة التربة لا تحذف فيها عامة ولا يكون فيها هامة حتى أن الغريب إذا حلها وفي ثيابه قمل أو براغيث ماتت، وقيل: المراد بطيبها صحة هوائها وعذوبة مائها ووفور نزهتها وأنه ليس فيها حر يؤذي في الصيف ولا برد يؤذي في الشتاء، وقرأ رويس بنصب {بَلْدَةٌ} وجميع ما بعدها وذلك على المدح والوصفية.
وقال أحمد بن يحيى: تقدير اسكنوا بلدة طيبة واعبدوا ربًا غفورًا ومن الاتفاقات النادية إن لفظ بلدة طيبة بحساب الجمل واعتبار هاء التأنيث بأربعمائة كما ذهب إليه كثير من الأدباء وقع تاريخًا لفتح القسطنطينية وكانت نزهة بلاد الروم.

.تفسير الآية رقم (16):

{فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16)}
{فَأَعْرِضُواْ} أي عن الشكر كما يقتضيه المقام ويدخل فيه الإعراض عن الايمان لأنه أعظم الكفر والكفران، وقال أبو حيان: أعرضوا عما جاء به إليهم أنبياؤهم الثلاثة عشر حيث دعوهم إلى الله تعالى وذكروهم نعمه سبحانه فكذبوهم وقالوا ما نعرف لله نعمة {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ العرم} أي الصعب من عرم الرجل مثلث الراء فهو عارم وعرم إذا شرس خلقه وصعب، وفي معناه ما جاء في رواية عن ابن عباس من تفسيره بالشديد، وإضافة السيل إليه من إضافة الموصوف إلى الصفة، ومن أباها من النحاة قال التقدير سيل الأمر العرم.
وقيل: العرم المطر الشديد والإضافة على ظاهرها، وقيل: هو اسم للجرذ الذي نقب عليهم سدهم فصار سببًا لتسلط السيل عليهم وهو الفار الأعمى الذي يقال له الخلد وإضافة السيل إليه لأدنى ملابسة، وقال ابن جبير: العرم المسناة بلسان الحبشة، وقال الأخفش، هو بهذا المعنى عربي، وقال المغيرة بن حكيم: وأبو ميسرة: العرم في لغة اليمن جمع عرمة وهي كل ما بنى أو سنم ليمسك الماء ويقال لذلك البناء بلغة الحجاز المسناة، والإضافة كما في سابقه والملابسة في هذا أقوى؛ وعن ابن عباس. وقتادة. والضحاك. ومقاتل هو اسم الوادي الذي كان يأتي السيل منه وربني السد فيه، ووجه إضافة السيل إليه ظاهر، وقرأ عزرة بن الورد فيما حكى ابن خالويه {العرم} بإسكان الراء تخفيفًا كقولهم في الكبد الكبد. روى أن بلقيس لما ملكت اقتتل قومها على ماء واديهم فتركت ملكها وسكنت قصرها وراودوها على أن ترجع فأبت فقالوا: لترجعن أو لنقتلنك فقالت لهم: أنتم لا عقول لكم ولا تطيعوني فقالوا: نطيعك فرجعت إلى واديهم وكانوا إذا مطروا أتاهم السيل من مسيرة ثلاثة أيام فأمرت فسد ما بين الجبلين سناة بالصخر والقار وحبست الماء من وراء السد وجعلت له أبوابًا بعضها فوق بعض وبنت من دونه بركة منها اثنا عشر مخرجًا على عدة أنهارهم وكان الماء يخرج لهم بالسوية إلى أن كان من شأنها مع سليمان عليه السلام ما كان.
وقيل: الذي بنى لهم السد هو حمير أبو القبائل اليمنية، وقيل بناه لقمان الأكبر بن عاد ورصف أحجاره بالرصاص والحديد وكان فرسخًا في فرسخ ولم يزالوا في أرغد عيش وأخصب أرض حتى أن المرأة تخرج وعلى رأسها المكتل فتعمل بيديها وتسير فيمتلى المكتل مما يتساقط من أشجار بساتينهم إلى أن أعرضوا عن الشكر وكذبوا الأنبياء عليهم السلام فسلط الله تعالى على سدهم الخلد فوالد فيه فخرقه فأرسل سبحانه سيلًا عظيمًا فحمل السد وذهب بالجنان وكثير من الناس، وقيل: إنه أذهب السد فاختل أمر قسمة الماء ووصوله إلى جنانهم فيبست وهلكت، وكان ذلك السيل على ما قيل في ملك ذي الأذعار بن حسان في الفترة بين نبينا صلى الله عليه وسلم وعيسى عليه السلام، وفيه بحث على تقدير القول بأن الإعراض كان عما جاءهم من أنبيائهم الثلاثة عشر كما ستعلمه إن شاء الله تعالى عن قريب.
{وبدلناهم} أي أذهبنا جنتيهم وأتينا بدلها {بجناتهم جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَىْ أُكُلٍ} أي ثمر {خَمْطٍ} أي حامض أو مر، وعن ابن عباس الخمط الأراك ويقال لثمره مطلقًا أو إذا أسود وبلغ البربر، وقيل شجر الغضا ولا أعلم هل له ثمر أم لا، وقال أبو عبيدة: كل شجرة مرة ذات شوك، وقال ابن الأعرابي: هو ثمر شجرة على صورة الخشخاش لا ينتفع به وتسمى تلك الشجرة على ماقيل بفسوة الضبع، وهو على الأول صفة لأكل والأمر في ذلك ظاهر، وعلى الأخير عطف بيان على مذهب الكوفيين المجوزين له في النكرات، وقيل بدل وعلى ما بينهما الكلام على حذف مضاف أي أكل أكل خمط وذلك المضاف بدل من أكل أو عطف بيان عليه ولما حذف أقيم المضاف إليه مقامه وأعرب بإعرابه كما في البحر، وقيل هو بتقدير أكل ذي خمط، وقيل هو بدل من باب يعجبني القمر فلكه وهو كما ترى، ومنع جعله وصفًا من غير ضرب من التأويل لأن الثمر لا يوصف بالشجر لا لأن الوصف بالأسماء الجامدة لا يطرد وإن جاء منه شيء نحو مررت بقاع عرفج فتأمل.
وقرأ أبو عمرو {أُكُلٍ خَمْطٍ} بالإضافة وهو من باب ثوب خز، وقرأ ابن كثير {أَكَلَ} بسكون الكاف والتنوين {وَأَثْلٍ} ضرب من الطرفاء على ما قاله أبو حنيفة اللغوي في كتاب النبات له، وعن ابن عباس تفسيره الطرفاء، ونقل الطبرسي قولًا أنه السمر وهو عطف على {أَكَلَ} ولم يجوز الزمخشري عطفه على {خَمْطٍ} معللًا بأن الأثل لا ثمر له، والأطباء كداود الأنطاكي وغيره يذكرون له ثمرًا كالحمص ينكسر عن حب صغار ملتصق بعضه ببعض ويفسرون الأثل بالعظيم من الطرفاء ويقولون في الطرفاء هو برى لا ثمر له وبستاني له ثمر لكن قال الخفاجي: لا يعتمد على الكتب الطبية في مثل ذلك وفي القلب منه شيء، ونحن قد حققنا أن للأثل ثمرًا، وكذا لصنف من الطرفاء إلا أن ثمرهما لا يؤكل ولعل مراد النافي نفي ثمرة تؤكل، والأطباء يعدون ما تخرجه الشجر غير الورق ونحوه ثمرة أكلت أم لا، ومثله في العطف على ذلك في قوله تعالى:

{وَشَيْء مّن سِدْرٍ قَلِيلٍ} وحكى الفضيل بن إبراهيم أنه قرئ {أثلا وشيئًا} بالنصب عطفًا على {وبدلناهم بجناتهم جَنَّتَيْنِ} والسدر شجر النبق، وقال الأزهري: السدر سدران سدر لا ينتفع به ولا يصلح ورقه للغسول وله ثمرة عفصة لا تؤكل وهو الذي يسمي الضال وسدر ينبت على الماء وثمره النبق وورقه غسول يشبه شجر العناب انتهى.
واختلف في المراد هنا فقيل الثاني، ووصف بقليل لفظًا ومعنى أومعنى فقط وذلك إذا كان نعتًا لشيء المبين به لأن ثمره مما يطيب أكله فجعل قليلًا فيما بدلوا به لأنه لو كثر كان نعمة لا نقمة، وإنما أوتوه تذكيرًا للنعم الزائلة لتكون حسرة عليهم، وقيل المراد به الأول حتمًا لأنه الأنسب بالمقام، ولم يذكر نكتة الوصف بالقليل عليه.
ويمكن أن يقال في الوصف به مطلقًا أن السدر له شأن عند العرب ولذا نص الله تعالى على وجوده في الجنة والبستاني منه لا يخفى نفعه والبرى يستظل به أبناء السبيل ويأنسون به ولهم فيه منافع أخرى ويستأنس لعلو شأنه بما أخرجه أبو داود في سننه. والضياء في المختارة عن عبد الله بن حبشيء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار» وا أخرجه البيهقي عن أبي جعفر قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي كرم الله تعالى وجهه في مرض موته: أخرج يا علي فقل عن الله لا عن رسول الله لعن الله من يقطع السدر» وفي معناهما عدة أخبار لها عدة طرق، والكل فيما أرى محمول على ما إذا كان القطع عبثًا ولو كان السدر في ملكه.
وقيل في ذلك مخصوص بسدر المدينة، وإنما نهى عن قطعه ليكون إنسًا وظلًا لمن يهاجر إليها، وقيل بسدر الفلاة ليستظل به أبناء السبيل والحيوان، وقيل بسدر الفلاة ليستظل به أبناء السبيل والحيوان، وقيل بسدر مكة لأنها حرم، وقيل بما إذا كان في ملك الغير وكان القطع بغير حق، والكل كما ترى، وأيًا كان ففي التنصيص عليه ما يشير إلى أن له شأنًا فلما ذكر سبحانه ما آل إليه حال أولئك المعرضين وما بدلوا بجنتيهم أتى جل وعلا بما يتضمن الإيذان بحقارة ما عوضوا به وهو مما له شأن عند العرب أعنى السدر وقلته، والإيذان بالقلة ظاهر وأما الإيذان بالحقارة فمن ذكر شيء والعدول عن أن يقال وسدر قليل مع أنه الأخص الأوفق بما قبله ففيه إشارة إلى غاية انعكاس الحال حيث أومأ الكلام إلى أنهم لم يؤتوا بعد إذهاب جنتهم شيئًا مما لجنسه شأن عند العرب إلا السدر وما أوتوه من هذا الجنس حقير قليل، وتسمية البدل جنتين مع أنه ما سمعت للمشاكلة والتهكم.